القائمة الرئيسية

الصفحات

النادر «اليازغي» عناية فائقة وطقوس خاصة - أحمد المباركي

 

النادر «اليازغي» عناية فائقة وطقوس خاصة - أحمد المباركي

لقد كان النادر عند الفلاح اليازغي يحظى بأهمية خاصة وعناية كبرى سواء من حيث اختيار الموقع، أو التهيئ والإعداد والذي كان يتم عبر عدة مراحل وتشارك فيه المرأة إلى جانب الرجل، بل كان لها النصيب الأوفر في ذلك. كما كان النادر في بني يازغة يحظى بالاحترام بل كانت له طقوس خاصة لن يفهمها إلا من عاشها وعايشها .. 

 

أول ما كان يقوم به الفلاح هو اختيار موقع النادر والذي لم يكن عشوائيا أو اعتباطيا بل كان يخضع لمعايير دقيقة لعل أبرزها «وجوده خارج الدوار وفي مكان يسمح بوصول «الغربي» إليه وكذلك نوعية التربة... أما شكل النادر فغالبا ما كان مربعا...

 

بعد اختيار الموقع يقوم الرجال ب «نجر» النادر بواسطة «الصابَّات» (مفردها صابَّة)، بعد «النجر» يأتي الدور على المرأة التي تتكلف بعملية «دق» النادر بواسطة «تاسويت»، (وقد يساعدها في العملية بعض نساء الدوار) مستعينة بالماء الذي ترشه على التربة التي ربما قد جيء بها من مكان آخر (تافزا)، وأحيانا كان الرجل هو الذي يقوم بعملية الدق بواسطة «المركز» الذي كانت له استعمالات أخرى ...

 

بعد اختيار الموقع والنجر والدق تأتي عملية «التحناك» وهي عملية كانت تقوم بها النساء باستعمال نوع خاص من «الغْبار» كان لا يتوفر الا عند بعض العائلات في الدوار وكانت تقدمه مجانا لمن يحتاجه (غْبار مرتبط بنوعية «علف الأبقار» ذلك الغبار كان يخلط مع الماء وأحيانا يضاف التبن ليصير على «شكل» حريرة يتم بها طلاء النادر.

 

بعد كل هذا العناء المشترك يصبح النادر جاهزا للاستعمال حيث غالبا ما كانت تبنى «تافة» في الجهة الشمالية للنادر وغالبا ما تكون هي اعلى من النادر، كانت «تافة» تبنى بشكل هندسي بديع وبذكاء كبير فجذور «توادل» كانت تقلب للخارج و«السبول» للداخل والهدف من ذلك هو حماية السبول من «المودية» والعواصف الرعدية...؟؟

 

عند توفر «الكرام» (أي الحرارة) يصعد لفلاح ومساعدوه إلى سطح تافة ويشرعون في دفع «توادل» نحو النادرب «مداري حديدية أو خشبية» والكمية المدفوعة كانت تقاس بعدد ونوعية البهائم المتوفرة وعدد الرجال، (الدَّرَّاسة) وبحجم النادر.

 

بعد استيفاء «الدرسة» للشروط المطلوبة كانت تربط البهائم بواسطة «طوال» وبعقد يسهل فسخها، تنطلق عملية الدراس بقولة «الرا على الله» والبهيمة التي كانت تدور في مركز الدرسة كانت تسمى «الركيزة» كان يتم تبادل الأدوار في «نده» البهائم والتي كانت هي الأخرى تتبادل الأدوار بين الركيزة والطراف. 

 

كان الفلاحون يرددون مجموعة من الأقوال عند الدرس منها:

  • الأطراف الاطراف البركة والاصحاف ،مفردها صحفة وهي من قياسات الوزن وتساوي 100 مد يازغي 
  • أدريس والهريس والصلاة على مولاي ادريس وكل خلفة بتليس 
  • أهريوها باش ندريوها ويلا جات الحلوة نشريوها 
  • راحة براحة الله يرحم شيخ الفلاحة

 

كما كان يردد اسم سيدي بلعباس بكثرة في النادر وكانوا يسمونه شيخ الفلاحة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ 

 

كانت الدرسة على غرار «الزيتون» تقلب ثلاث مرات:

  1. الأولى: كانت ل«تهريس الدرسة» 
  2. الثانية: ل «ترك السبول» (مايبقاش السبول)
  3. الثالثة: لتطييب وتفريك و«تغييز الدرسة»

 

بعدما «تطيب» الدرسة تبدأ عملية «التذرية» والتي كان توفر «رياح الغربي» عاملا حاسما فيها وكانوا يسمونه «لعوان»، تلك العملية كانت تحتاج ل «المداري» و«اللوح الخشبي» و«الغربال» و«شطابة بايموت». 

 

كان الفلاح يضع«الطوال» ليشكل حدا فاصلا بين «الحب» و«التبن» و«تينغدة»

 

كان «المدرون» ينقسمون إلى فرقتين متواجهتين: واحدة شمالا والأخرى جنوبا؟؟ لتنطلق العملية مع ترديد بعض الأقوال ك:

  • يا هبوبا يا هبوب عبي التبن خلي لحبوب 
  • ياعوين البركة قوي وزيد

 

كان يستعان بالغربال واللوح وشطابة بايموت لتصفية الدرسة وتنقيتها من «العصمور والركاب» وغير ذلك، أثناء عمليتي التذرية والتصفية كان يزور الدوار مجموعة من الأشخاص للحصول على قسط من «البركة» لعل أبرزهم كان:

  • الحلوي : الذي كان يقايض حلواه الزاهية الألوان بما تيسر من الحبوب أو القطاني والذي كان الأطفال ينتظرون قدومه بنفس الشوق الذي كانوا ينتظرون به قدوم آبائهم من السوق 
  • الشرفاء : رجال كانوا يرتدون جلابيب وسلاهيم أنيقة ويمتطون دواب كثيرا ما كانت أقوى وأغلى من دواب الفلاح ،كانوا يحظون بالاحترام وكانت تنسج حولهم حكايات قريبة من المعجزات، كان الفلاحون يجزلون لهم العطاء 
  • المحاضرية: كانوا يأتون ب « ترابية » الفقيه 
  • مساكين الدوار...

 

بعد التذرية والتصفية كانت تأتي الحلقة الأهم والعملية الأبرز والتي ينتظرها الجميع لأنها تتويج لمجهود موسم بالكامل تلك هي عملية «العبير» والتي كان يستعمل فيها «الربعي» والتي كانت غالبا ما تتم إلا بعد صلاة العصر، أثناء عملية «العبر» يعم النادر صمت رهيب فلا حديث ولا كلام فكل ما تسمعه هو: واحد الله (1) لا شريك معه (2) وهكذا دواليك.

 

 ذلك الصمت الرهيب وأجواء القدسية التي كانت تعم النادر كان الهدف منها هو «الحيلولة» دون هروب «البركة» وطمعا في «قيام قرقوزة» والتي كانت حاضرة ومترسخة في ذهن الفلاح اليازغي والتي كانت تروى حكايات عن «قيامها» لبعض الفلاحين (كل دوار بحكاية) الذين ظلوا يعبرون الزرع او يسقون الزيت (حتى ما لقاو فاين يعملوه) ورغم الاجراءات المتخذة والتعليمات الصارمة التي كنا نتلقاها اثناء العبر (لا احدية لا كلام...) فقد كان الاعتقاد السائد ان مجرد النطق بكلمة واحدة بصوت مرتفع قد يفسد العملية برمتها لدرجة ان الكثير من الاطفال الذين كان يسمح لهم بالبقاء كانوا يتعرضون للضرب لمجرد خرقهم للنظام المعمول به اثناء العملية (الانضباط ثم الانضباط) رغم كل تلك الاجراءات الصارمة والمبالغ فيها احيانا لم نشهد قط قيام قرقوزة التي انتظرها اجدادنا وآباؤنا وانتظرناها معهم لسنوات طوال، قرقوزة تلك التي كان الجميع يحلم ب«قيامها» لكنها لم تقم أبدا والتي اظن انها اليوم قد صارت عجوز شمطاء... حيث لم يعد احد ينتظر قيامها في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية المتسارعة التي يعرفها المجتمع والتي ساهمت في اختفاء الكثير من الافكار والتقاليد والمعتقدات بل ساهمت في اختفاء الكثير من مظاهر التضامن التي كانت سائدة داخل القبيلة ...

 

تعليقات