القائمة الرئيسية

الصفحات

الجذور التاريخية لقبيلة بني يازغة و بعض أعلامها. بحث للدكتور عبد الكريم العلوي

  بحث حول : الجذور التاريخية لقبيلة بني يازغة و بعض أعلامها 

 إعداد الدكتور عبد الكريم العلوي 

 الفصل الأول : الجذور التاريخية لقبيلة بني يازغة.

 إن العلامة محمد المختار السوسي ( ت : 1963م) كان محقا في قولته الشهيرة التي يدعو فيها إلى العناية بتاريخ البادية على غرار العناية بتاريخ الحاضرة من أجل كتابة تاريخ عام للمغرب . واسهاما منا في تسليط الضوء على بعض قبائل المغرب ، سنقف عند قبيلة عريقة من قبائله هي :" قبيلة بني يازغة "، للتعريف بها ، وإلقاء الضوء على بعض الزوايا الخفية من تاريخها .

 أولا : أسماء القبيلة وتوثيقها

 أــ إن الاسم المشهور المتداول للقبيلة هو : " بنو يازغة " ، غير أن المصادر التاريخية القديمة التي تضمنت أخبارا وإشارات تتعلق بالقبيلة ، وأعلامها ، خلال بعض المراحل التاريخية ، تستعمل أسماء أخرى تدل على القبيلة نفسها ، وتعني شيئا واحدا  في الغالب، قد لا تذكر بعض تلك الأسماء ، إلا ارتباطا بعلم من أعلام القبيلة ينسب إليها ،  وأحيانا نجد النسبة مزدوجة ، إذ ينسب إلى اسم من الأسماء ، ثم يردف ب : "اليازغي " ، مما يفيد أن النسبة الأولى قد تكون لمدشر من مداشر القبيلة ،ونذكر من هذه الأسماء : 

1ـ بوجيدة ابن أحمد اليزغتني ، نسبة إلى قبيلة بني يزغتن ، وهو الاسم القديم لقبيلة "بني يازغة" على عهده (ت 362هـ )، 

2ـ أبوالحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي (ت 543 هـ )، 

3ـ عبد الله بن محمد بن الياسمين ابن حجاج أبو محمد الفندلاوي (ت 638 هـ ) ، 

4ـ أبو الحسن علي بن أبي غالب الشريف الإدريسي الحسني الصاريوي اليازغي . يقول المؤرخ عبد الوهاب بن منصور عن بني يزغتن: "وأصل هذا الاسم هو اسم قبيلة زناتية عرب العرب اسمها فيما بعد، فصاروا يعرفون ببني يازغة "(1) . ولا ندري متى حصل هذا التعريب ، ولكننا نجد أعلام القبيلة في القرن الرابع الهجري يحملون نسبة اليزغتني ، كما وردت هذه التسمية والنسبة المذكورة في مصــــادر متأخرة ، منها على سبيل المثال : كتاب المستفاد في ذكر الصالحين من فاس و العباد ، وجدوة الاقتباس ، وجني زهرة الآس، وسلوة الأنفاس وغيرها ، وذلك في ترجمة أحد أعلام القبيلة وهو : أبو جيدة بن أحمد اليزغتني . 

 

ب ــ صاريوة أو صريوة والنسبة إليها : الصاريوي أو الصريوي على خلاف المؤرخين في كتابة هذا الاسم تبعا لاختلافهم في كتابة الاسم : صاريوة أو صريوة ، وهو اسم لمدشر من مداشر قبيلة بني يازغة ، فكل صاريوي يازغي ، كما يقال : بنو صاريوة . ويجعل الأستاذ عبدالقادر زمامة صاريوة أو صريوة علما( اسما ) بربريا لمدشر من مداشر قبيلة بني يازغة الشهيرة ، وحسب قوله ، إن صاريوة من القبائل البربرية التي سكنت فاس منذ عصر التأسيس ، ذلك هو الأصل في نظره . فحين انتقلوا إلى فاس نزلوا مكانا معينا ، فسميت منازلهم باسمهم ، فأصبحت تعرف بحي صاريوة ، واعتمادا على المعلومات التي يقدمها صاحب سلوة الأنفاس ، فإن حي صاريوة هو المسمى الآن بحي القليعة ، وفيه عدة معالم بارزة من سائر العصور ، وفي مقدمتها ضــريح الشيخ أبي الحسن علي ابن غالب الصاريوي اليـــازغي (2) ، ويقع هذا الحي بعدوة الأندلس ، داخل باب الفتوح(3) . 

 

ج ـ فندلاوة . وقد ضبط ابن عبدالواحد المراكشي كلمة فندلاوة بفتح الفاء ، وسكون النون ، وفتح الدال الغفل ، ولام وألف ، وذلك بمناسبة ترجمته لأحد أعلامها و هو : ابن عبدالله محمد بن علي بن عبد الكريم الفندلاوي (4) . وسنتحدث بشيء من التفصيل عن "فندلاوة" لاحقا . 

 

ثانيا : موطن بني يازغة الأصلي . 

تذكر المصادر التاريخية أن الموطن الأصلي لبني يازغة هو مدينة فاس الحالية ، وبالتحديد فيما أصبح يعرف بعدوة الأندلس ، فقبل بناء مدينة فاس ، كان يسكن بها قبيلتان من زناتة هما : زواغة وبنو يزغتن ( وهو الاسم القديم لبني يازغة ) . وكانوا أهل أهواء مختلفة ، منهم من كان يدين بالإسلام ، ومنهم من كان يدين بالنصرانية أو اليهودية . كان موطن زواغة فيما أصبح يعرف بحومة عدوة القرويين، أما بنو يازغة فكانوا يسكنون فيما صار يعرف بحومة عدوة الأندلس ، وكان القتال بين القبيلتين متواليا على مر الأيام إلى سبة 191 هجرية، وهي السنة التي وصل فيها عمير بن مصعب الأزدي وزير المولى إدريس بن إدريس إلى تلك المنطقة بهدف ارتياد البلاد، واختيار مكان مناسب لبناء مدينته، فاستحسن بقعة هؤلاء لكثرة مياها ، وطيب تربتها ، ورطوبة هوائها ، واعتدال الهواء فيها، ووجد بني يزغتن وزواغة يقتتلون فيما بينهم على حدود الأرض، فأخبر المولى إدريس بما وقع عليه خياره ، فاستحسنه المولى إدريس ، واشترى الأرض منهم ، ثم نزل وشرع في بناء مدينته فاس (5) . و "لا يعرف أكان بنو يازغة مستقرين بأسرهم في الموضع المشار إليه آنفا من مدينة فاس قبيل بنائها، ثم تحولوا، بعد بيع أرضهم إلى المولى إدريس بن إدريس ، إلى مواطنهم الحالية الواقعة بالجنوب الشرقي من مدينة فاس وهي المنطقة التي كانت تسكنها قبيلة فندلاوة ، أم كانت تسكن على الأقل بذلك الموضع فرقة منهم فقط " (6) .ولعل ما جعل صاحب :" جدوة الاقتباس" يطرح هذا السؤال ـ الذي بقي بدون إجابة ـ ، هو وجود مناطق بالمغرب تحمل اسم "بني يازغة". 

 

ثالثا : أصل القبيلة ونسب أبنائها

 تعتبر قبيلة بني يازغة من القبائل القديمة العريقة في المغرب، فقد سبقت الإشارة إلى موطنها الأصلي القديم بمدينة فاس قبل قيام المولى إدريس ببناء المدينة ، وكذلك إلى موطنها الحالي . كماتعتبر قبيلة بني يازغة ، قبيلة زناتية ، كانت تعرف ببني يزغتن ، ثم حرف العرب اسمها فيما بعد ، فأصبحت تعرف بقبيلة بني يازغة ، وعليه فهي فرع من إحدى القوتين الكبيرتين في المغرب هما : زناتة ، وصنهاجة ، وما تفرع عنهما من قبائل . ومن أبنائها شرفاء حسونيون ، ينتهي نسبهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، مرورا بالنسب الإدريسي .وموضوع شرفاء بني يازغة مفصل في كتب الأنساب مثل كتاب الدرر البهية والجواهر النبوي.

 

رابعا : وصف عام للقبيلة وسكانها وأحوال المعيشة ومواردها الاقتصادية

 يقول ابن أبي زرع عن موقع القبيلة وبعض مواردها الاقتصادية : " وعلى مسيرة ثلاثين ميلا من فاس جبال بني يازغة حيث يُقْطع خشب الأرز فيجلب إلى المدينة منه كل يوم مالا يحصى كثرة ، ومن هذه الجبال ينبعث نهر سبو ... فيسير حتى يمر بمشرق مدينة فاس على مقدار الميلين منها ، فيصيد أهل المدينة الشابل والبوري وأصناف الحوت "(7) . كما وصف القبيلة الرحالة الحسن بن محمد الوزان في كتابه " وصف افريقيا" ، خلال القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ، قال عنها : " تسكن هذا الجبل قبيلة غنية محترمة لأدبها وطريقة عيشها ... ولسكان جبل بني يازغة كثير من الماشية ، لأن البلاد قليلة الأشجار ، وصوف أغنامهم شديدة النعومة ، تصنع منها نساؤهم أقمشة كأنها حرير ، يتخذن منها لباسا لهن و أغطية للأسرة . ويباع الواحد من هذه الأغطية في فاس بثلاثة مثاقيل أو أربعة . ويستخرج هؤلاء الناس زيتا كثيرا من زيتون جبلهم ، لكنهم خاضعون لملك فاس ، ويُدفع خراجهم الذي يؤدونه إلى عامل فاس القديم . وقد يصل هذا الخراج إلى ثمانية آلاف مثقال تقريبا "(8).

 

خامسا : نبذة تاريخية عن القبيلة منذ عهد الأدارسة

 أ ـ في عهد الأدارسة. إن صلة بني يازغة بالأدارسة بدأت بشراء أرضهم بمدينة فاس من قبل إدريس بن إدريس، ويعتبر اتصال بني يازغة بالأدارسة هو بداية صلتهم بالإسلام . ــ في عهد موسى بن أبي العافية إن الصلة لم تنقطع بين قبيلة بني يازغة ، بمختلف مداشرها و بين مدينة فاس ، هجرة وعودة . ففي ترجمة الولي الصالح أبي الحسن علي ابن غالب الصاريوي اليازغي إشارة إلى خروج سلفه من فاس فارين من موسى ابن العافية المكناسي في أيام ولايته عليها ، فنزلوا في بني صاريوة من بني يازغة ، واستقروا هناك مدة ، ثم رجع منهم إلى فاس فنزلوا في حومة صاريوة أيضا داخل باب الفتوح(9) . 

 

ب ـ في عهد المرابطين. كانت بلاد فندلاوة ( بني يازغة) من القبائل المناوئة للحكم المرابطي . فغزاها يوسف بن تاشفين ، وفتح جميع جهاتها سنة 458 هجرية . 

 

ج ـ في عهد بني مرين. من الإشارات التاريخية عن قبيلة بني يازغة أن المرينيين وأحلافهم حين قسموا بلاد المغرب التي كانت تحت نفوذهم ، كانت تارودانت وتازة وفندلاوة (المنزل) ، من نصيب بني عسكر . وفي سنة 616 

 

هـ ـ لاحظ المرينيون إهمال الموحدين لأمور البلاد مما أدى إلى كثرة الفتن وانعدام الأمن وانقطاع الحرث ، واشتداد الغلاء فقام الأمير المريني عثمان ابن عبدالحق بتعبئة جيش من بني مرين شق به بلاد المغرب ، وكانت قبائل صاريوة ، وبني مكود ، وبنويازغة من القبائل الذين بايعوه(10) . كما ساهمت قبيلة بني يازغة ، إلى جانب قبائل أخرى ، في الحصار الذي ضربه أبو يوسف بن يعقوب بن عبدالحق المريني على الأمير عمر بن يوسف الهسكوري سنة 685 هـ (11) ، إلى أن استسلم هذا الأخير. 

 

د ـ في عهد العلويين. من آثار الدولة العلوية في قبيلة بني يازغة : 

ـ بناء مسجد المنزل على عهد السلطان مولاي سليمان (12) . ( فترة حكمه : من 1792 م إلى 1828 م ) . 

ـ بناء الثانوية التأهيلية ابن الياسمين على عهد المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ( وابن الياسمين أحد أعلام بني يازغة ، عاش أيام الدولة الموحدية ، توفي سنة 601 هـ ، اشتهر بالرياضي لبراعته في الرياضيات) . 

ـ بناء مدرسة محمد بن أبي بكر اليازغي ، أبو بكر علم من أعلام بني يازغة  الذي اشتهر بكتاب ألفه في مناقب أهل الزاوية الدلائية. 

ـ الزيارة الملكية لصاحب الجلالة محمد السادس ، نصره الله ، لقبيلة بني يازغة بتاريخ 11 مارس 2013 م . 

 

إن بني يازغة قبيلة زناتية أمازيغية ، حلت بهذه الأرض التي هي عليها الآن ، وأن تاريخها قبل مغادرتها لمدينة فاس ما يزال مغمورا ، ولما وفدت على هذه الأرض وجدت بها قبيلة فندلاوة التي لم يعد لها ذكر إلا في المصادر القديمة ، لأنها اندمجت في القبيلة الوافدة عليها ، مما يدل على قوة قبيلة بني يازغة ، بحكم اندماج الضعيف في القوي ، وأن قبيلة بني يازغة عربت فيما بعد ، وتاريخ تعريبها غير معروف ، وقد نفسر تعريبها بانتشار الدين الإسلامي ، وهجرة العنصر العربي إليها ، فصار العنصر الأمازيغي يشكل أقلية . 

 

قلنا إن بني يازغة لما نزلوا بتلك الديار ، لم يجدوها أرضا خلاء ، بل وجدوا عليها ساكنة كانت تعرف بقبيلة :" فندلاوة " . ولتسليط الضوء على هذه القبيلة سأسرد مجموعة من الأقوال حولها . 

 

ـ يسميها ابن أبي زرع : حصون فندلاوة (13) بصيغة الجمع أحيانا ، وأحيانا أخرى يسميها: بلاد فندلاوة (14) ، بينما يطلق عليها حينا آخر قلعة فندلاوة ، ويضيفها إلى بني يازغة فيقول : "قلعة فندلاوة من جبال بني يازغة "(15) . 

 

ـ وقال عنها محمد الفاسي في مقال له بمجلة دعوة الحق :" قبيلة فندلاوة الزناتية ، وكانت منازلهم بالقرب من فاس بقبيلة بني يازغة ، وكانت لهم هناك قلعتان إحداهما كان يقال لها: " قلعة بني يوسف " والأخرى : " قلعة فندلاوة " ، محلهما الآن القرية المسماة " المنزل"، وكانت فندلاوة من أول ما فتحه المولى إدريس الأول سنة 173 هـ ، وبقيت قائمة إلى زمن يوسف بن تاشفين ، فهدمها عند غزوه للشمال المغربي "(16) . 

 

ـ وورد ذكر فندلاوة في كتاب العبر لابن خلدون قال : " وكما كانت نفوسة من برابرة إفريقية ، فندلاوة ، ومديونة ، وبهلولة ، وغياثة ، من برابرة المغرب الأقصى "(17) . 

 

ـ وقال عنها عبد الوهاب بن منصور : " فندلاوة قبيلة مغربية شهيرة ، كانت تسكن بين مدينة صفرو ، وقرية رباط الخير ( أهرمومو) . حيث جبال بني يازغة الحالية ، كانت لهم بها قلعة حصينة لعلها الواقعة اليوم بالربع الوسطي ، من القبيلة المذكورة . فقامت بأدوار كبيرة في القرون الأولى التي تلت ظهور الإسلام ، وأنجبت عددا من العلماء والفقهاء ... 

 

وقد اندثر اسم فندلاوة إثر اندماجها في قبيلة بني يازغة ، ولم يبق لها ذكر إلا في الكتب القديمة . وقد عجل باندثارها إقدام المولى إدريس على فتح بعض جهات المغرب بعد استقامة مُلك المغرب له . وكان أكثرها على النصرانية ، فأباد من أبى الدخول في الإسلام، ودمر بلادهم وحصونهم ، ومنها حصون فندلاوة وغيرها "(18) . وكان ذلك سنة 173هـ . 

 

ـ كما قال عن فندلاوة أحمد البوشخي في مقال له بعنوان : الإمام الفندلاوي ـ حياته وآثاره العلمية : " فندلاوة قبيلة مغربية بربرية ، كانت توجد بين صفرو ، وقرية رباط الخير ( أهرمومو ) بناحية فاس ، حيث توجد جبال قبيلة بني يازغة الحالية ، وكانت تدين بغير الإسلام قبل أن يفتحها إدريس الأول ويخضعها لنفوذ دولته [...] ، قلعة فندلاوة قامت بأدوار كبيرة في القرون التي تلت فتحـــــها(19) ، قبل أن تتعرض للـــــهدم على يـــــد المرابطين(20) ، ثم عادت للظهور زمن المرينيين ، حين خرج بها على السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبدالحق المريني سنة 685 هـ ، عمر بن يوسف الهسكوري(21) ، ويرجح أن هذه القلعة هي إحدى قلاع ( مدينة المنزل )[...] ، ويحتمل أن موقعها بالضبط هو قلعة أولاد محمد بمحل يعرف بالكانودي "(22) . هكذا يتضح أن قلعة فندلاوة تعرضت لثلاث غزوات ، الأولى على يد المولى إدريس سنة 173 هـ ، والثانية على يد يوسف بن تاشفين المرابطي سنة 458 هـ ، والثالثة من قبل السلطان أبي يوسف بن عبدالحق المريني سنة 685 هـ . وهذا ما عجل بانقراضها ، واختفاء اسمها من التداول منذ القِدم . 

 

يبقى السؤال حول كلمة " فندلاوة " أصلها ، واشتقاقها ـ إن صح التعبير ـ ، والأسباب التي جعلتها  تطلق على تلك الجماعة من السكان ؟ بعد تنقيبنا في المصادر التاريخية القديمة ، التي تناولت التاريخ القديم لشمال إفؤقيا ، وخاصة تلك المتعلقة بغزو الوندال لهذه الرقعة الجغرافية من هذا المعمور ، وجدنا بعض النصوص التاريخية التي تشير إلى علاقة " فندلاوة " ب "الوندال "(أو الفندال ) (23) .

 

وسأستشهد بالنص التاريخي الآتي :

 " اختار ملك الوندال من بين سكان إفريقيا أكثرهم غنى . وأعظمهم شأنا . فانتزع أملاكهم وأثاثهم ، وسخر الرقاب بعد أن كبلها بسلاسل العبودية ، ثم جرّد الأفارقة من أخصب أراضيهم وأوسعها ، فوزعها على الوندال ،وقد سميت هذه الأملاك باسم قطع الوندال ، ولم تزل محتفظة بهذا الاسم إلى اليوم"(24).

 بناء على الإشارة الواردة في هذا النص :" وقد سميت هذه الأملاك باسم قطع الوندال ، ولم تزل محتفظة بهذا الاسم إلى اليوم " . وبناء على تحليله واستنطاقه ، يمكننا أن نقيم علاقة ترابط وتواصل بين " فندلاوة " و " الوندال / الفندال " للأسباب التالية : الأول تاريخي ، وهو كون الوندال/الفندال استعمروا شمال إفريقيا ، وتمكنوا من إقامة دولتهم (429 م/533م) ، على أنقاض دولة الرومان ، وأنهم مروا من شمال المغرب في طريقهم إلى بلاد قرطاجة ببلاد تونس حاليا .(تنظر خريطة القبائل الأمازيغية التي ذكرها بروكب أيام غزو الوندال في كتابه : بلاد الأمازيغ ." السبب الثاني لغوي أوما يسمى بالجناس اللغوي حيث تتشابه الكلمتان "فندال/ فندلاوة " في الحروف المتكونة منها . كما يمكنني أن أستشهد بكلمة عامية لازالت متداولة بين سكان المنطقة ، وهي لفظة "فنْدولة" ، والمقصود بها كسرة خبز كبيرة الحجم ، و "قطع الوندال" التي اطلقت على الأراضي الواسعة والشاسعة التي كان يمتلكها الفدال زمان حكمهم ، أما العلاقة بينهما هو: كبر الحجم . 

 

وهكذا ، وبناء على هذا الاستنتاج والاجتهاد الشخصي ، يمكن القول أن قبيلة "فندلاوة" تعود تسميتها بهذا الاسم إلى عهد الوندال/الفندال، وهذا لايعني أن أصل سكانها من الفندال، بل لما غزا الفندال البلاد التي صارت تعرف باسم المغرب وجدوا بها قبائــل بربرية (25) ، كان يطلق عليها اسم " الـــــمــــور" . 


هوامش الفصل الأول :

1ـ جدوة الاقتباس لابن القاضي 1/ 29 هامش : طبعة المنصور . 

2ـ معالم وأعلام من فاس القديمة ، ذ عبدالقادر زمامة البحث العلمي العدد : 17 ص 88 رمضان / شوال 1389 هـ / دجنبر 1988 م. 

3 ـ بيوتات فاس الكبرى ص : 43 . 

4 الذيل والتكملة . 

5 جدوة الاقتباس 1/ 20 ـ 21 

6 المصدر نفسه 1/ 29 وانظر هامش 42 من الصفحة نفسها . 

7 ـ الأنيس المطرب بروض القرطاس لابن أبي زرع الفاسي ص : 31 ـ 32 . 

8 ـ وصف افريقيا : 1/ 281 . الحسن الوزان . 

9ـ سلوة الأنفاس : 1/ 21 . 

10 ـ الدخيرة السنية : 08 . 

11 ـ الأنيس المطرب بروض القرطاس . 377 . 

12 ـ الاستقصا للناصري : 8/ 173 . 

13 ـ الأنيس المطرب بروض القرطاس : 21 . 

14 ـ المصدر نفسه : 141 . 

15 ـ هو نفسه : 377 . 

16 ـ الأنيس المطرب بروض القرطاس : 21 

17 ـ المصدر نفسه : 141 . 

18 ـ هو نفسه : 377 . 

19 ـ مجلة دعوة الحق العدد : 262 جمادى 1 و 2 1407 هـ / يناير ـ فبراير 1987 م . 

20 ـ تاريخ الأمازيغ و الهجرة الهلالية ج 1 ـ ص : 58 ، مقتطف من كتاب العبر لابن خلدون . 

21 ـ جذوة الاقتباس 1/ 21 هامش هامش : 24 

22 ـ الجذوة 1/ 21 هامش 24 . 

23 ـ دعوة الحق 1970 ص : 57 العدد 3 ، س 13 . 

24 ـ روض القرطاس ص : 377 . 

25 ـ يقول صاحب المقال : أخبرني بهذا ، و أوقفني على بعض أطلال بالمحل المذكور ، يحتمل أنها بقايا قلعة فندلاوة ، السيد الحاج الحسين خيّ ابن بوكرين شيخ مسن، فقيه راتب بإحدى قلاع المنزل . ينظر هامش الصفحة : 65 من أشغال الملتقى الثقافي الرابع لمدينة صفرو . 

26 ـ الوندال أو الفندال هم إحدى القبائل الجرمانية الشرقية ، وهذا الاسم يعود إلى موطنهم الأصلي ، والذي هو قرية فاندال السويدية . نزل الوندال / الفندال بطنجة وسبتة في ماي 429 م أول مرة ، وكان يبلغ عددهم 80000 نسمة ، وكان من بينهم 20000 من المقاتلين . استولوا على شمال افريقية " الأراضي التي كانت تابعة للرومان ، ودام حكمهم من 429 م إلى 533 م" . 

27 ـ تاريخ إفريقيا الشمالية من البدء إلى الفتح الإسلامي لشارل أوندري جوليان ـ ص : 329 . 

28 ـ " أما سبب نزول البربر في أرض المغرب من أرض فلسطين من الشام ، فإن ملكها جالوت لما قتله داوود ، عليه السلام ، جلت البربر إلى المغرب ، فتفرقت في تلك البلاد من موضع القيروان إلى ساحل البحر الأندلسي ، وكانت هذه البلاد قبل البربر للروم ، فجلت الروم أمامهم إلى صقلية ، وهي جزيرة عظيمة في البحر تحاذي بلاد إفريقية ، ثم رجع الأفارقة من الروم إلى مدائنهم على صلح مع البربر ، إذ كرهت البربر نزول المدائن ، فنزلوا الجبال ، والرمال ، والوهاد ، لكونهم أصحاب إبل ، وغنم ، وبقر ، فعادت المدن رومية ، والجبال ، والصحاري بربرية ، وهم يومنذ على أديان مختلفة " . جذوة الاقتباس ص : 80 . فسكان المغرب الأصليون ،أو الأقدمون، أو الأولون ليسوا البربر أبناء مازيغ ، وإنما الآشوريون الذين يعود تاريخهم إلى مليون سنة قبل الميلاد ، وبعدهم القبصيون ، الذين ابتدأت حضارتهم منذ 10000 سنة قبل الميلاد ، وانتهت حوالي 6000 سنة قبل الميلاد . بينما الجد الجامع للبربر عاش زمن 5600 قبل الميلاد . إذن فسكان المغرب الأصليون إما أبادهم البربر ، أو لازالوا يمثلون شريحة بيننا . 

29 ـ المور أو المورسيون كانوا أقوى القبائل الأمازيغية ، وقد أطلق على عامة الأمازيغ ، لكنه خص على سكان أقصى الغرب ، التي لم يعرف اسما قبلها . و" كان أول من استعمل مصطلح ( موريزيا )  هم الجغافيون الإغريق القدامى ، ويعني ذلك بالنسبة لهم ، الرقعة الجغرافبة الأكثر بعدا بالنسبة لبلادهم ، والتي تقع في أقصى الغرب . غير أن هذه اللفظة تحرفت وصارت " موري " ، فشاعت وانتشرت عند الرومان ، وأصبحت تدل على السكان الخاضعين للسيطرة الرومانية " . ينظر : التغيرات الاقتصادية و الاجتماعية في المغرب أثناء الاحتلال الروماني . ص : 57 . 

الفصل الثاني : أعلام من بني يازغة

 لقد أجمع عدد من المؤرخين على أن قبيلة بني يازغة قد أنجبت عددا كبيرا من الفقهاء ، والأدباء ، والعلماء في مختلف المجالات المعرفية ، والأعمال النبيلة ، كالجهاد ، ومختلف وجوه البر والإحسان ، فخلدوا اسمها في التاريخ ، وكثيرا من إنتاجهم العلمي والأدبي لايزال مخطوطا ينتظر النشر والتحقيق ، أو موزعا في صفحات المصادر يحتاج إلى جمع وتنسيق ودراسة . ومما لا شك فيه أن القيام بخدمة تراث هؤلاء واجب وطني وقومي وإسلامي في الوقت نفسه ، لأن إسهاماتهم تجاوزت بيئتهم وإقليمهم إلى جهات أخرى من الوطن ، والبلاد العربية ، والإسلامية مشرقا ومغربا . ومن حسن الحظ أن بعض الباحثين من أبناء القبيلة ومن غيرها ، ومنهم باحثون من المشرق العربي ، قد بدأوا يسهمون في التعريف بجوانب من هذا التراث الفكري ، بالإضافة إلى بحوث أخرى تتصل بالمنطقة التي تنتمي إليها القبيلة . ومن خلال هذا البحث نقدم تراجم لأعلام ينتمون لقبيلة بني يازغة ، وهم : 

 

ـ الإمام الفندلاوي :هو حجة الدين أبو الحجاج وأبو يعقوب يوسف بن دوناس (1) الفندلاوي ، المغربي المالكي. يرجع نسبه إلى فندلاوة. إن المصادر التي ترجمت الإمام الفندلاوي رحمه الله، لم تتعرض لذكر أية معلومات عن حياته قبل رحيله إلى بلاد الشام واستقراره بها. لقد كان ميلاده على الأرجح بين الخمسين والستين من القرن الخامس الهجري، في أواخر سنوات الدولة المغراوية التي يحتمل أن لأسرته صلة بها. رحل الإمام الفندلاوي بقصد الحج، في إحدى سنوات العقد الثاني من القرن السادس الهجري، وأثناء عودته من الحج اختار المقام بالشام، فسكن أولا بأنياس مدة، تولى خلالها الخطبة بها، ثم انتقل بعد ذلك إلى دمشق. حيث استوطنها إلى حين وفاته(2). لقد أصبح في دمشق بعد انتقاله إليها من العلماء المبرزين ، والفقهاء المرموقين ، واختير شيخا للمالكية بها، ولقب بحجة الدين، وتولى التدريس بالجامع الأموي، وحدث بالموطأ، وأخذ عنه العلم جهابدة الطلاب لمكانته العلمية. كان في دروسه رحمه الله فكها، لذيذ المجالسة ، حلو المحاضرة ، طويل المناظرة ، محبا لمذهب أهل السنة ، كريم النفس قوي القلب ، كما ذكر تلميذه ابن عساكر(3) ، كان يحضر مجالسه العلمية بعض كبار فقهاء المذاهب الأخرى كمفتي الشام جمال الدين أبي الحسن علي بن مسلم الدمشقي الشافعي ( ت 533هـ ) (4) . لقد كانت بلاد الشام كلها ـ زمن وجود الإمام الفندلاوي بها ـ تتعرض لهجمات شرسة متتالية من قبل الصليبيين الأوربيين. وكان من بين هذه الهجمات الشرسة ، زحف ملك الألمان الثالث في جيش جرار على مدينة دمشق لاحتلالها مدعوما من قبل الكنيسة ونصارى الشام (5) . وقد خرج سكان هذه المدينة للدفاع عن عقيدتهم ووطنهم بقيادة أميرهم . معين الدين أنر مملوك طغتكين (6) . وكان في من خرج صاحبنا الإمام المجاهد العالم القدوة أبو الحجاج يوسف الفندلاوي وهو يومئذ شيخ طاعن في السن. وقد توفي صاحبنا المترجم له في هذه الحرب سنة 543هـ ، ودفن أولا تحت ربوة على الطريق ، ثم نقل إلى مقبرة الشهداء بالباب الصغير، وجعل على قبره بلاطة كبيرة كتب فيها اسمه وتاريخ استشهاده (7) ، واتخذ ضريحه مزارة يتبرك الدمشقيون بها، ويرجون استجابة الدعاء بها (8) . ما وصلنا من الآثار العلمية لهذا العالم الجليل ، والمجاهد الشهيد هو كتابان فقط هما : الكتاب الأول " تهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك على نهج العدل والإنصاف في شرح مسائل الخلاف " الكتاب الثاني رسالة نشرها الأستاذ جواد المرابط الدمشقي سنة 1906 بدارالكتاب الجديدة ببيروت تحت اسم : " فتوى الفندلاوي ".

 

ـ محمد بن أبي بكر الزهني اليازغي : ينتمي محمد بن أبي بكر إلى أسرة بني زهنة التي أنجبت عددا من العلماء والأدباء ، شأنها في ذلك أسر أخرى من هذه القبيلة ، مثل أسرة بني حجاج ، وهم أهل قلعة فندلاوة ، وبني دوناس ، وهم من بيت شريف ينتهي نسبهم إلى الحسن بن علي بن أبي طالب ، وقد ظهر منهم مجموعة من النوابغ ، في مقدمتهم الفقيه الخطيب الإمام الشهيد في الحروب الصليبية بالشام أبو يوسف  يوسف بن دوناس الفندلاوي ، من علماء القرن السادس الهجري .الذي سبق ذكره . وغيره كثير . وأما اسمه الكامل فهو : محمد بن أبي بكر عبد الكريم ( أبو ابن عبدالكريم) بن علي بن عمر بن أبي بكر بن إدريس الزهني اليازغي ، ويظهر من هذا النسب أنه واسطة عقد بيت بني زهنة أنجبت ثلاثة من العلماء : أولهم : والده العلامة الإمام الحافظ أبو محمد عبدالكريم بن علي الزهني . وثانيهم : محمد بن عبدالكريم واسطة عقد هذا البيت وهو موضوع هذا العرض . وثالثهم : ابنه محمد سمي باسم والده ، وقد عاش بمراكش ، وبها توفي وأقبر مثل والده ، وقد كان فقيها ، عدلا ، مدرسا ، كما تعاطى نسخ الكتب ، وهو من فقهاء القرن الثالث عشرالهجري ،عاصر السلطان مولاعبدالرحمان ، وتولى حسبة مراكش في دولته(9) . عاش محمد بن عبدالكريم الزهني في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري وثلاثينيات القرن الثالث عشر ، وبذلك فهو مخضرم هذين القرنين ، وإذا كان قد عاصر عددا من سلاطين الدولة العلوية ، وفي مقدمتهم بصفة خاصة سيدي محمد بن عبدالله ( 1171 هـ ـ 1204 هـ / 1757 م ـ 1790 م )، ومولاي يزيد ( 1204 هـ ـ 1206هـ / 1790 م ـ 1792م) ، و مولاي سليمان ( 1206هـ ـ 1238 هـ / 1782 م ـ 1822م) ، فإنه قد نبغ في عهد الأخير منهم ، وقد توفيا معا في سنة واحدة ، وهي سنة 1238 هـ . وكلاهما دفين مدينة مراكش . ومن مآثر السلطان مولاي سليمان العمرانية في هذه المنطقة : مسجد المنزل ببني يازغة ، ومسجد صفرو وتجديد أسواره ، كما بنى لأهله حماما به(10). أما بالنسبة لحياته فيبدو أنه ولد بمدينة فاس ، وهي موطن والده عبدالكريم ، بها ولد وعاش وتوفي ، ولاشك أن ابنه قد نشأ بها أيضا ، وبها تلقى تعليمه على يد أبيه وشيوخ آخرين . غير أن وفاته كانت بمراكش في شهر ذي القعدة من سنة 1238 هـ ، وقد دفن بضريح ولي الله أبي العباس السبتي(11) أحد سبعة رجال بمراكش . ويرجح أن سبب انتقاله من فاس إلى مراكش يرجع في الغالب إلى صلته بمولاي سليمان . من الآثار العلمية التي خلفها المترجم له نجد : 

 

أولا : المنظومات التاريخية ومنها : 

 

1 ـ حدائق الأزهار الندية في التعريف بأهل الزاوية الدلائية . وهي منظومة في نسب الدلائيين تقع في 275 بيتا من بحر الرجز . 

2 ـ ومن شعره التاريخي أيضا قصيدة رائية من وزن البسيط ، وقد نظمها في مدح تاريخ أبي القاسم الزياني (ت 1249 ) (12) . 

 

ثانيا : له بعض الشروح ، منها شرح كتاب مولاي سليمان لأهل فاس بالتقريع والعتاب حين خرج منهم عن الطاعة جماعة من أهل الشر والعصيان ، وثاروا على عاملهم محمد الصفار ، وقد أثبت الناصري هذا في كتابه : " الاستقصا " (13) . 

 

ثالثا : فتاواه : وقد أشار العباس بن إبراهيم إلى أن بعض فتاويه منقولة في ( النوازل الرندية) (14) . 

 

رابعا : شعره الفني : ويشمل الفنون الشعرية الآتية : الشعر السياسي ، والشعر الديني ( المديح النبوي ، الزهد ) ، والموشحات . 

 

ـ أبو جيدة ابن أحمد اليزغتيني : نسبة إلى قبيلة بني يزغتن وهو الاسم القديم لقبيلة بني يازغة على عهده . وقد نص عبدالوهاب بن منصور على أنه يازغي (15) نسبة إلى قبيلة بني يازغة ، أما القدماء فأجمعوا على أنه سيدي أبوجيدة بن أحمد اليزغتيني وهو ما نجده في كتاب المستفاد في ذكر الصالحين من فاس والعباد ، وجدوة الاقتباس لابن القاضي ، وجني زهرة الآس في بناء مدينة فاس للجزنائي ، وسلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر الكتاني الذي ذكر أنه رأى النسبة هكذا ( اليزنتيني) ، في نقش بضريحه وعلق عليه ب ( كذا ) فوقه . وتوفي على الأرجح سنة 362هـ ، ودفن خارج باب المسافرين أو ( باب بني مسافر ) ، الذي أصبح يعرف بباب سيدي أبي جيدة .(16) . له رحلة إلى المشرق ، ولما عاد منها خرج أهل فاس كلهم للقائه والاحتفاء به رجــالا ونساء ، فكان الرجال في ناحية ، والنساء في ناحية أخرى ، تعبيرا منهم عن فرحهم به وإجلاله (17) . وقد اشتهر أبو جيدة بفتواه في حكم أرض المغرب على عهد الحاجب الأندلسي المنصور بن أبي عامر ، وكان له فضل انقاد البلاد والعباد من سطوته وذلك بأن عامل المنصور بن أبي عامر على المغرب لما تغلب على فاس قال لأهلها : أخبروني عن أرضكم أفتحت صلحا أم عنوة ؟ فقالوا له لا جواب عندنا حتى يأتي الفقيه ، يعنون أبا جيدة ، و قد كان يعمل في بستان له خارج المدينة ، فلما جاء سأله فقال : ليس بصلح ولا عنوة ، وإنما أسلم عليها أهلها فبقيت لهم ، فقال العامل : خلصكم الفقيه(18) . 

 

ـ أبو عبدالله محمد بن علي بن عبدالكريم الفندلاوي (19) : ويعرف بابن الكتاني ، توفي بفاس ضحى يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 597 هـ كما يعرف بالفاسي . يقول عبدالواحد المراكشي في ترجمته عن مشاركته في عدة علوم : " وكان متحققا بعلم الكلام ، متقدما في معرفة أصول الفقه ، ذا حظ صالح من علوم اللسان وقرض الشعر ، وله رجز مشطور مزدوج في أصول الفقه "(20) . وعن صفاته يقول : " وكان زاهدا ورعا فاضلا منقبضا عن الملوك ، وأبناء الدنيا ، منقطعا إلى العبادة والاجتهاد في الأعمال الصالحة والانتصاب لإفادة العلم والتدريس ، واكتفى في معيشته بالقليل ، وقد عُرضت عليه الدنيا غير مرة فما أجاب إلى شيء ولا غرته "(21) . وبلغ من مكانته أن الخليفة المنصور الموحدي قد رغب في أن يكون من طلبة مجلسه فما قدر عليه البتة ، لما سبق ذكره من انقباضه عن الملوك ، وأمور الدنيا . 

 

ـ عبدالله بن محمد بن الياسمين : ابن حجاج أبو محمد(22): أبو محمد عبدالله بن محمد بن حجاج بن الياسمين ، ينتمي إلى اسرة بني حجاج أهل قلعة فندلاوة برع في المنطق ، والهندسة ، والتنجيم ، عاش أيام الدولة الموحدية وكان أحد خدام الخليفة يعقوب المنصور ، ثم ولده الناصر وتوفي ذبيحا بمدينة مراكش ، وقد أثارت منزلته في بلاط الموحدين عداء كثيرا من منافسيه . اشتهر بالرياضي لبراعته في الرياضيات ، غير أن مشاركته قد تجاوزتها إلى مجموعة أخرى من المعارف فقد برع في عدة علوم كالمنطق والهندسة والتنجيم ، لكنه برع في الحساب والعدد خاصة فكان لا يُدرك شأْوُهُ فيهما ، ولا ينازع في الاختصاص بمعرفة دقائقهما وغواص مسائلهما(23) . وبالإضافة إلى ذلك له مشاركة في علو الأدب ونظم الشعر ، وقد شارك في التأليف في العلوم الرياضية ، فاشتهر في أرجوزته القيمة في الجبر ، وتقع في اثنين وخمسين (52) بيتا سمعت بالأندلس منه بمدينة إشبيلية سنة 587هـ ، ومنها نسخ خطية في الخزانات المغربية (24) ، وفي خزانة الأسكوريال (25) ، ووضعت عليها عدة شروح مما يدل على أهميتها . 

 

ـ أبو عبدالله المومناني . محمد بن عيسى بن مع النصر (معنصر) . ابن ابراهيم بن دوناس : ( بدال غفل وواو مد وألف بعد نون وآخره سين) ابن زكرياء بن سعيد الله ... وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب وهو فاسي من حوز فندلاوة بحومة فاس وقد نزل بها بعض سلفه من بني مومنان(26) . ويتحدث عنه ابن عبدالملك المراكشي مشيدا بمكانه وصفاته في كلمة جامعة يقول فيها : " وكان محدثا ناقدا بصيرا بعلم الحديث ذاكرا لرجاله حافظا لمتونه مشرفا على معانيه ، جميل الخط متقن التقييد ... حريصا على العلم أنفق جل عمره في اقتناء الكتب "(27) . وله رحلة إلى الأندلس ، زار خلالها مدينة مالقة وأقام بها سنين . وبعدها انتقل إلى مراكش حيث أقام عند الأمير الموحدي الرشيد ، ويقال إنه ذبح ذبحا ، وذلك سنة 638هـ أو 639هـ على خلاف بين المؤرخين (28) . 

 

ـ ولده أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى بن مع النصر المومناني . الفاسي ، درس عن أبيه وغيره ، وكانت له رحلة إلى الأندلس حيث لقي بإشبيلية أبا العباس النباتي وروى عنه . ولد سنة 623هـ ، وكان صديقا لابن عبدالواحد المراكشي ، كثير اللقاء به . ـ الولي الصالح الرباني أبو الحسن : علي بن أبي غالب الشريف الإدريسي الحسني . الصايوري اليازغي (29) ، وضريحه معروف بمدينة فاس ، هو : أبو الحسن علي بن أبي غالب بن جمال بن عبدو بن عبدالرحمان ابن داوود بن عمر بن داوود بن محمد بن عبدالرحيم بن عبدالرحمان الذي نزل بالوَدَاغيز من اخراج موسى بن العافية للشرفاء من فاس ابن يعلي ابن إسحاق بن أحمد بن محمد بن إدريس باني مدينة فاس ، وأنه كان مستقر بمدشر صايورة من قبيلة بني يازغة ثم انتقل جده جمال منهم إلى فاس واستقر بحومة صايورة منها لكونها مستقر أهل مدشر الصاريويين اليازغيين النازلين بفاس ، ومن أجل استقرارهم بها صارت تعرف بصاريوة ولما استقر بها ملك تادرا التي أقبر بها بعده حفيذه صاحب الترجمة ، وسكن بها ، وبها ولد له سيدي أبو غالب والد صاحب الترجمة ، وبها توفي ودفن ، وخلف ولده سيدي عليا وهو صبي صغير فقير ، تحت حضانة أمه من نسب والده ، فعلمته صناعة الحجامة ، وعلاج الجراح ، والقروح، ففتح الله عليه ، وتعلم تلك الصنعة ، وصار جل من يعالجه يشفيه الله تعالى ، فاشتهر ذكره ، وظهرت بركته ، وقصده الناس (30) . 

 

ـ موسى بن عبدالله بن سدان أوسداب . ومن أعلامها الذين خلدهم التاريخ بذكر أسمائهم والتنويه بأعمالهم التي تدخل في مجال البر والاحسان لوجه الله : رجل من بني يازغة يعرف بموسى بن عبدالله بن سدان ، من أبناء القرن السادس الهجري ، وقد استوطن مدينة فاس ، وكان معه مال كثير حلال طيب ، ورثه من أبيه الذي اكتسبه من حراثتة بيده من أرضه ومن ماشية حلالا طيبا ، وأراد أن يصرفه في وجه من وجوه البر والإحسان ، فاختار أن يكون ذلك فيما يحتاج إليه جامع القرويين ، ومنه بناء سقاية ودار وضوء بقرب الجامع لتكون عونا للمصلين . ومن أجل تحقيق رغبته قدم على الفقيه الصالح أبي محمد يسكر بن موسى الجورائي وهو أحد أشياخ المغرب في الدين والورع والفضل والزهد والمجاهدة والتقشف والايثار والصدقات . وقد تولى إمامة جامع القرويين عدا الخطبة لأنه كان أعجمي اللسان شديد العجمة ، فكان ينيب عنه من يتولى الخطبة . واستمرت إمامته أربعين سنة 598 هـ (31) . "...وشرع في بناء المضيأة والسقاية في مكانه وذلك في غرة صفر من سنة ست وسبعين وخمسمائة 576 هـ (32) . 

 

ـ يوسف الفندلاوي . أشتهر يوسف الفندلاوي بالمكناسي ، استوطن مدينة فاس ، وهو فقيه خطيب تولى الخطابة بجامع الأندلس أولا ، ثم جامع القرويين ، وتوفي سنة 914هـ (33) . 

 

ـ أبو محمد عبدالكريم بن علي بن عمر بن أبي بكر. ابن إدريس الزهني المعروف باليازغي ، ينتسب إلى بني زهنة من قبيلة بني يازغة ، وقد قدم جده منها إلى فاس واستوطنها وولد بها المترجم به وتوفي بفاس سنة 1199هـ (34) . وقد أهلته قوة حفظه وسرعة إدراكه إلى أن يتبوأ مكانة علمية رفيعة بمدينة فاس أواخر القرن الثاني عشر هجري (35) ، ووصفوه بالإمام العلامة ، يقول عن نسبه محمد بن جعفر الكتاني " أبو محمد سيدي عبدالكريم بن علي الزهني اليازغي أصلا الفاسي دارا وقرارا ومولدا ومزارا ."(36) . 

 

ـ محمد بن محمد الزهني اليازغي . من فقهاء القرن الثلث عشر الهجري ، ولي حسبة مدينة مراكش في عهد مولاي عبدالرحمان . وكان فقيها عدلا مدرسا ، ذكر العباس بن إبراهيم صاحب كتاب( الأعلام ). أنه وقف على علامته في رسم مؤرخ عام 1267هـ ، وآخر مؤرخ عام 1269هـ ، وكان الزهني اليازغي هذا يسكن بدرب (تزكارن) من حومة باب دكالة (37) . تلكم كانت بعض أعلام قبيلة بني يازغة التي استطعت أن أقف عليها ، والبحث العلمي مازال مفتوحا أمام الدارسين والباحثين  للتعريف بأعلام آخرين لم يسعفنا البحث حاليا التوصل إلى تقديم تراجم لهم . 

 

هوامش الفصل الثاني

 1 ـ في الكامل : 11/130 : دي ناس ، وفي (البداية والنهاية مج 6 . ج 12/ 224 : دوناس ، وفي (شذرات الذهب : 4/136): والزيات 62) : دوناس . وكل ذلك تصحيف . 

2 ـ مختصر تاريخ دمشق مخ باريس ل 40 ـ 41 ، ومرآة الزمان : 8/ 121 ، ومعجم البلدان مج 4/ 777 . 

3 ـ سير أعلام النبلاء 20/209 ، ومرآة الزمان 8/121 . 

4 ـ سير أعلام النبلاء 20/31 . 

5 ـ انظر خبر هذا الزحف مفصلا في : الكامل 11/129 ، والبداية والنهاية مج 12/224 ، وذيل تاريخ دمشق 298، وكتاب الاعتبار 117، وتاريخ ابن خلدون 5/184 . 

6 ـ طغتكين هذا هو أول ملوك أتابكة دمشق ، واسمه : سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين مملوك تتش السلجوقي (ت 522هـ) . انظر ترجمة هذا الملك وأخبار دولته في : محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية 2 / 451 ـ 454 . 

7 ـ مختصر تاريخ دمشق مخ باريس ل 1440/ با . 

8 ـ الزيات 62 . 

9 ـ الأعلام بمن حل بمراكش و أغمات من الأعلام : 6/ 289 . 

10 ـ الاستقصا 8/ 173 . 

11 ـ الأعلام : 6/ 182 . 

12 ـ الأعلام : 6/ 180 . 

13 ـ الاستقصا : 8/139 ـ 141 . 

14 ـ الأعلام : 8/178 . 15 ـ أعلام المغرب العربي 1/ 301 ـ 302 . 

16 ـ النبوغ المغربي : 1/57 . 17 ـ المرجع نفسه . 

18 ـ المرجع نفسه ، وسلوة الأنفاس : 3/ 92 ـ 93 . 

19 ـ سلوة الأنفاس 3/ 173 ومفاخر البربر 71 ، والأنيس المطرب : 270 . 20 ـ الذيل والتكملة س 8 ق 1/ 331 . 

21 ـ المصدر نفسه . 

22 ـ التكملة 531 ، الغصون اليانعة ص 42 وما بعدها ، جذوة الاقتباس : 237 ، الأعلام للمراكشي 8/ 204 ـ 205 ، النبوغ المغربي 1/166 ط 3 ـ 1975 ، مجلة البحث العلمي العدد الأول / 1964 مقال لعبد الله كنون . 

23 ـ النبوغ المغربي 1/ 166 . 

24 ـ منها نسخة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 2427 د ضمن مجموع ص 261 ـ 263 . 

25 ـ منها نسخة رقم 943 . 

26 ـ الذيل والتكملة ق 8 س 1 / 350 ترجمة رقم 135 . 

27 ـ المصدر نفسه ص : 351 . 

28 ـ انظر هذه القصة وأحداثها وتاريخها : إعلام مالقة ص 90 مخطوط ـ الذيل والتكملة : س 8 ق 1/351 ـ 352 . 

29 ـ بيوتات فاس الكبرى : إسماعيل بن الأحمر : ص 43 . 

30 ـ سلوة الأنفاس 2/18 ـ 19 . 

31 ـ الأنيس المطرب بروض القرطاس : ص : 68 ـ 69 . 

32 ـ المصدر نفسه ص : 69 . 

33 ـ جذوة الاقتباس : 2/ 552 . 

34 ـ سلوة الأنفاس : 2/115 ـ 116 . 35 ـ فهرس الفهارس : 2/1152 . 

36 ـ سلوة الأنفاس : 2/115 . 37 الأعلام : 6/289 ، ترجمة رقم : 809 . 

لائحة المصادر والمراجع

 1 ) جذوة الاقتباس لابن القاضي . 

2 ) مجلة البحث العلمي العدد : 17 . 

3 ) بيوتات فاس الكبرى : إسماعيل بن الأحمر . 

4 ) الذيل والتكملة . 

5 ) الأنيس المطرب بروض القرطاس لابن أبي زرع الفاسي . 

6 ) وصف افريقيا  ـ  لابن الحسن الوزان . 

7 ) سلوة الأنفاس . 

8 ) الدخيرة السنية . 

9 ) الاستقصا للناصيري . 10 ) مجلة دعوة الحق العدد : 262 جمادى 1و2 1407 هـ / يناير ـ فبراير 1987 م . 

11 ) تاريخ الأمازيغ والهجرة الهلالية ( كتاب العبر لابن خلدون ) . 

12 ) مجلة دعوة الحق : 1970 . 

13 ) تاريخ افريقيا الشمالية من البدء إلى الفتح الإسلامي لشارل أونري جوليان . 

14 ) التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب أثناء الاحتلال الروماني . 

15 ) مختصر تاريخ دمشق . 

16 ) مرآة الزمان . 

17 ) معجم البلدان . 

18 ) الكامل للمبرد . 

19 ) سير أعلام النبلاء . 

20 ) تاريخ ابن خلدون . 

22 ) البداية والنهاية . 

23 ) محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية . 

24 ) الأعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام . 

25 أعلام المغرب العربي . 

26 ) الغصون اليانعة . 

27 ) النبوغ المغربي . 

28 ) فهرس الفهارس .

تعليقات