القائمة الرئيسية

الصفحات

لوحات من دوار : أسعد ليالي مدشري - ذ. إدريس كيروج

 

لوحات من دوار - سلسلة مقالات للأستاذ إدريس كيروج

الجزء الخامس: أسعد ليالي مدشري


عند بزوغ الفجر تصحو ديكة المدشر و تصدر طقطقات برفرفة أجنحتها و تُتبِعُها بصياحها المعتاد التي قد تختلط بأذان المؤذن فوق الصومعة العتيقة مناديا للصلاة ،و نباح الكلاب التي تحاول جاهدة تقليده و تعوي كالدئاب . و بعد هنيهة تُسمع في كل الأزقة أبواب تُفتح و تُغلق و أصوات خطوات المتوجهين الى المسجد يتخللها سعال و عطاس و تحيات بعضهم.

كل هذا يخمد بعد ساعة ونصف و يعوضه غثاء الأغنام و خوار الأبقار المتجهة الى المراعي، و في هذا الجو الحركي الذي يتكرر باستمرار ، و عند شروق الشمس ، و قبل تناول وجبة الفطور كان أحد أطفال المدشر يرى جده يخرج صباحا من بيتهم الطيني البسيط و بيده سلته القصبية.و يدخل بستانهم ليقطف فواكه التين و الرمان و "الهندية" و عناقيد العنب و يجني خضر الطاجن حسب الفصل من لفت و جزر و طماطم و بطاطس و بصل و يقطين "البسيبسي" اللذيذة التي تدمع بنسغها عند الجني و الكزبرة و البقدونس التي تفضح ما بداخل السلة برائحتها الزكية .ثم يعود فرحا و لا سيما يومي الأحد و الأربعاء لأنهم غالبا سيتعشون ليلة أحد اليومين بطاجين لحم خروف أو ماعز أو بقر أو رأس خروف أو "ضوارة" خروف (التقلية) أو كوارع أغنام أو بقر و خضر و بعض انواع الفواكه التي لا ينتجها المدشر كالموز. لأنهما يوما سوق و خاصة إذا ذهب الأب إلى السوق بعد حصوله على أجرة نصف شهر مقابل عمله بالغابة المجاورة .

لكن ما كان يحيره هي زينة أمه يومي السوق: سواك الشفتين و مسحوق كحل العينين و العكار الفاسي الوردي على الخدين و"السبنية" الحمراء بخيوطها المتدلية التي تسحر الناظر "بموزونها" الأصفر اللامع و مدجة في عنقها مرصعة بعقيق من كل الألوان اشترتها من العطار الذي يزور الدوار مرة كل شهر مقابل كمية من صوف جلد أضحية العيد او بيض دجاجتها، فهل أيام السوق أيام عيد أم أعياد في يوم سوق ؟ سر كان يجهله في الصغر و لم يكن يعلم أنه قد يكون نتيجة سر يوم من أيام السوق، سر يسعد المدشر كل ليالي الأسواق، و ليالي الأسواق تسعد السكان بحفلات "السوابع" طوال السنة و أكل لحوم العقائق و بعد سنتين أكل لحوم حفلات الختان إن كان المواود ذكرا.

تعليقات