القائمة الرئيسية

الصفحات

أحيدوس اليازغي، أو التخاطب العربي الأمازيغي (2)





 محمد السليلة

وتجدر الإشارة إلى أن المشاركة في رقصة أحيدوس لا تتطلب مواصفات خاصة أو مواهب محددة، فأي فرد من القبيلة يمكنه الرقص من داخل الفرقة التي تظل مفتوحة على الجميع. وتؤدى رقصة أحيدوس بتحريك الكتفين والأرجل في انسجام تام على غرار أحيدوس الأمازيغي، مع اشتباك أيادي أعضاء الفرقة كرمزية تحيل على التعاون والاتحاد التي يعتبر من قيم القبيلة. إلى هنا يبدو أن التأثير العربي لم يمس سوى بعض الشكليات البسيطة. ولكن ماذا بخصوص أدوات الإيقاع وعلاقة أحيدوس بالأشكال الفولكورية العربية الدخيلة إلى مجتمع المغرب الأقصى كفن العيطة مثلا؟

يقول حسن نجمي: أن فن العيطة رقصة عربية وفدت إلى المغرب مع الهجرات الهلالية في القرن الثاني عشر الميلادي، فامتزجت بالأهازيج المحلية وشكلت فرق غنائية رجالية تقدم أنواعا من الألوان الموسيقية، يرتكز نسقها الموسيقي على الإيقاع أساسا باستخدام (الطعاريج، البنادير، المقص،الصينية، التصفيق بالأيادي، وصوت رقص الأقدام على الأرض)؛ كالحمادات بالرحامنة والغرب، وعبيدات الرمى،-وهي مجموعات قروية-.

وبالعودة مرة أخرى إلى أحيدوس اليازغي نجده يسمى بالرمى، وهي كلمة عربية من الرماية والرماة، ومنها اقتبست الفرق الموسيقية اسمها. ففن الرمى ارتبط بطبيعة القبائل العربية العسكرية التي هاجرت إلى المغرب في عهد الدولة الموحدية والتي استقرت بالسهول المغربية وبالقرب من المدن العواصم كفاس مثلا. وباستدعاء بعض نماذج قصائد الرمى بمنطقة الغرب لعمار حمداش:

"تراميت على سيد النبي نزلت هدية؛

على سيدنا جبريل والحق سبحانه مروية؛

عطاها لسعد بن وقاس يعلمها للمجاهدية؛

وصى سيدنا النبي على المقدمين والشياخ والمعلمية..."

"آسايل على البارود هاك عبارو؛

روايتو عند الشياخ استفد من خبارو..."

يظهرالتشابه الكبير بين ثقافة الرمى عند قبائل بني حسن بالغرب وأحيدوس بني يازغة، فيكفي الرجوع إلى قصائد المرحوم الشيخ "كميني" اليازغي الدينية ليتضح التقارب بين أحيدوس وفن العيطة الغرباوية المتمثلة في شعرالرمى. ولا يمكن الوقوف عند هذا الحد في إبراز هذا التشابه المثير، فعند بني يازغة يحضر فن العيطة ولو بشكل محتشم، مجسدا في قصيدة يتيمة تقال في طقوس حفل الحناء، تبدأ "بصلى الله على النبي، صلى الله عليه، محمد بو فاطمة..."، وبعض القصائد التي تؤدى باستعمال الصينية والكيسان وهي تقليد موسيقي عربي وافد كما تقدم، اقتبسه الشيخ اليازغي "لينظم" قصائد جديدة في ظروف خاصة وبإيقاعات مختلفة. لكن ما السر في هذا التمازج والتلاقح بين الثقافة الأمازيغية والعربية؟

يجيب عبد العزيز بن عبد الجليل: إلى اطمئنان السكان الأصليين وارتياحهم لأسلوب الأداء الذي كان يطبع غناء العرب الطارئين والذي يعتمد الصياح على عادة البدو الرحل، حيث تكمن مقاييس الجمال الصوتي في صفاء الصوت وقوته وطول نفسه ووحدة طبقته وسلامة نطقه.

ومهما يكن من أمر فقبيلة بني يازغة الآن قبيلة مغربية امتزج فيها العنصر العربي والأمازيغي منذ مئات السنين، فأبدعا ثراتا خصبا وجميلا ينم عن مدى قوة التخاطب الثقافي، نحن في حاجة ماسة إلى تنميته وتطويره والخروج به إلى دائرة الضوء، حتى يسطع بريقه في الآفاق .لما لا ففن الراي لم يكن في يوم من الأيام إلا نسيا منسيا عند شيوخ القصبة والقلال في الجهة الشرقية، وأصبح فنا عالميا.

تعليقات