القائمة الرئيسية

الصفحات

وجهات سياحية في طي النسيان - خالد الحبيط

خالد الحبيط


إذا كان المغرب قد قطع أشواطا مهمة في النهوض بالقطاع السياحي، ونجح في تحسين تموقعه على الخارطة السياحية فصار يستقطب ألوفا مؤلفة من السياح الأجانب، وذلك نتيجة للإصلاحات الهيكلية التي قام بها، شملت البنى التحتية للعديد من المدن والقرى والأماكن السياحية، كتعبيد الطرق و بناء القناطر و ترميم الأرصفة وايصال الكهرباء والماء الصالح للشرب وووالخ، فإن هذا لا يعني أنه قد أحكم سيطرته على على كل التراب الوطني، أو نجح في حل جميع إشكالاته في هذا المجال. ولو أجرينا إحصاء دقيقا لمجموع الوجهات السياحية التي يتوفر عليها المغرب لوجدنا أنه لا يستفيد منها إلا بنسبة جد محدودة لا تتعدى 25 بالمائة، في حين تبقى الثلاثة أرباع الأخرى لا حاجة له بها. هذا يترجم عدم قدرة المغرب على استغلال كل الثروات والمؤهلات الطبيعية التي يزخر بها. لكن المخجل هو أن الدولة لا تبدي أي رغبة في تصحيح وضعها، وتصر على ممارسة التعتيم و تضليل الرأي العام في القضايا التي عرفت فيها اخفاقا كبيرا.

لكن ما هي العوامل والخلفيات التي كانت وراء إقصاء جهات معينة بالذات كصفرو مثلا ؟ الجواب لا يختلف فيه اثنان و هو أن مجموعة من الشخصيات رفيعة المستوى يتقلدون مناصب عليا في مختلف أجهزة الدولة يشكلون لوبيات مؤثرة، يستغلون نفوذهم الكبير لتحويل المشاريع التنموية العمومية لصالح جهاتهم وبلدانهم، ولنرجع قليلا إلى زمن ادريس البصري، وكيف استطاع هذا الأخير أن يحول مدينته الصغيرة "سطات" إلى مدينة كبيرة تضاهي كبريات مدن المغرب من حيث البناء والتجهيز وإنشاء المرافق الإجتماعية والرياضية والثقافية وإنجاز المشاريع التنموية بشكل عام.

هناك مثال آخر جدير بالذكر يتعلق الأمر بمدينة ورزازات، هذه المدينة التي إلى عهد قريب فقط كانت عبارة عن واحة صغيرة فحسب، تتخللها بنايات طينية عبارة عن قصبات متفرقة هنا وهناك، انظروا الآن كيف أصبحت، وكيف صار لها هذا الصيت العظيم؟ عندما تسمع اسمها يكاد خيالك يذهب إلى مدن اسطورية سياحية عريقة كإسطانبول في تركيا أو روما في إيطاليا، لكن من اولاها كل هذا الإهتمام وجلب لها هذه السمعة العالمية الطيبة؟ إنهم أناسها وبنو جنسها بالطبع، لقد دفعهم حبهم الصادق لبلدهم وشدة تعلقهم به إلى التخلي عن نرجسيتهم و مصالحهم الشخصية والسعي إلى جعل مصلحة البلد فوق كل الإعتبارات، فجعلوا كل اهتماماتهم تنصب حول النهوض بمنطقتهم والسير بها في الاتجاه الذي يضمن لها تحقيق الرقي والإزدهار، فتعبأوا لذلك أيما تعبئة وجندوا كل إمكاناتهم المادية والمعنوية، وكان الإعلام ولا يزال حاضرا بقوة حين نجح في الترويج سياحيا لهذه المدينة ما أكسبها شهرة عالمية، ساهمت في تحقيق الإقلاع الإقتصادي وتحسين المستوى المعيشي لسكانها.

لو أخذنا هذين المثالين و حاولنا أن نقارنهما مع مدينتنا صفرو على سبيل المثال لبدا لنا الفرق شاسعا، ذلك لأن التاريخ والتجارب أكدت أننا لا نمتلك ذلك الحب الحقيقي تجاه بلدنا، وإن كنا نتظاهر به أحيانا، ليس لأننا نفتقر إلى الكفاءات، أو لضعف الإمكانيات أو لغياب المؤهلات، كلا.

إن منطقتنا وما تزخر به من مؤهلات طبيعية وسياحية، كسد علال الفاسي، وأحد أكبر روافده نهر سبو و نهر زلول و كثرة الينابيع، كعين سبو المنبع، وعلى مقربة منها عين وامندر وعين تيمدرين، والشلالات الرائعة والجداول والحقول وتنوع الأشكال الطبيعية كالهضاب والسهول والجبال وجمالية الموقع كلها عناصر كفيلة باستقطاب أكبر عدد من السياح المحليين والأجانب على حد سواء، ناهيك عن الثروات الفلاحية والحيوانية المهمة، فضلا عن أطرها و كفاءاتها المتفرقة هنا وهناك، (أقول) كانت جديرة أن تكون في طليعة البلدان التي عرفت نموا كبيرا وازدهارا ملحوظا في المغرب. لماذا؟ لأن موقعها أجمل و مؤهلاتها أفضل.

فليتها حظيت بمثل ما حظيت به هذه البلدان من اهتمام كبير من لدن أبنائها و ترويج اعلامي يعرف بها و بمؤهلاتها.

وعليه فمهما كانت الدولة مسؤولة عن الحيف والتهميش الذين طالا منطقتنا، فإننا لا ننكر أننا نحن من أعانها على ذلك، لذلك لا يجوز أن نلقي باللائمة على من سوانا، طالما التزمنا الصمت و استسلمنا لنزعة الأنانية القاتلة.


Ain sebou - el menzel

تعليقات